الثلاثاء، 19 أبريل 2022

الرد على اليهود والنصارى سئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية + و الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد بن حنبل (164- 241 هـ

 

الرد على اليهود والنصارى سئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية – قدس الله روحه – عن رجل :  قال :
إذا كان المسلمون مقلدين ، والنصارى مقلدين ، واليهود مقلدين ، فكيف وجه الرد على النصارى واليهود ، وإبطال مذهبهم والحالة هذه ؟ وما الدليل القاطع على تحقيق حق المسلمين ، وإبطال باطل الكافرين ؟ .
فأجاب رضي الله عنه :-
الحمد لله ، هذا القائل كاذب ضال في هذا القول ، وذلك أن التقليد المذموم هو قبول قول الغير بغير حجة ، كالذين ذكر الله عنهم أنهم : ﴿ إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ﴾ وقال تعالى : ﴿أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون﴾ (البقرة : 170) وقال : ﴿إنهم ألفوا آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون﴾ (الصافات : 69،70) ، ونظائر هذا في القرآن كثير .
فمن اتبع دين آبائه وأسلافه لأجل العادة التي تعودها وترك اتباع الحق الذي يجب اتباعه ، فهذا هو المقلد المذموم ، وهذه حال اليهود والنصارى ، بل أهل البدع والأهواء في هذه الأمة ، الذين اتبعوا شيوخهم ورؤساءهم في غير الحق ، كما قال تعالى ﴿ يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا . وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً﴾ (الأحزاب :66-68) ، وقال تعالى ﴿ويوم يعض الضالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً . يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً﴾ إلى قوله ﴿خذولاً﴾ (الفرقان : 27-29) .وقال تعالى : ﴿إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب﴾ إلى قوله ﴿وما هم بخارجين من النار﴾ (البقرة : 166-167) وقال تعالى : ﴿وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار﴾ إلى قوله : ﴿إن الله قد حكم بين العباد﴾ (غافر : 47-48) وأمثال ذلك مما فيه بيان أن من أطاع مخلوقاً في معصية الله ، كان له نصيب من هذا الذم والعقاب .والمطيع للمخلوق في معصية الله ورسوله ، إما أن يتبع الظن ، وإما أن يتبع ما يهواه ، وكثير يتبعهما .وهذه حال كل من عصى رسول الله من المشركين وأهل الكتاب ، من اليهود والنصارى ، ومن أهل البدع والفجور من هذه الأمة ، كما قال تعالى ﴿ إن هي إلاّ أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل لله بها من سلطان﴾ إلى قوله ﴿ولقد جاءهم من ربهم الهدى ﴾(النجم : 23) والسلطان هو الكتاب المنزل من عند الله وهو الهدى الذي جاءهم من عند الله كما قال تعالى ﴿أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون﴾ (الروم : 35) وقال : ﴿إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم﴾ إلى قوله تعالى ﴿ببالغيه﴾ (1) (غافر : 56) .وقال لبني آدم ﴿ فإما يأتينكم مني هذاً﴾ إلى قوله تعالى ﴿ولعذاب الآخرة أشد وأبقى﴾ (طه : 123-127) .وبيان ذلك أن الشخص إما أن يبين له أن أن ما بعث الله به رسوله حق ، ويعدل عن ذلك إلى اتباع هواه ، أو يحسب أن ما هو عليه من ترك ذلك هو الحق ، فهذا متبع فهذا متبع للظن ، والأول متبع لهواه .... (2) اجتماع الأمرين : قال تعالى في صفة الأولين ﴿فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون﴾ (الانعدام : 33) وقال تعالى ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلموا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين﴾ (النمل : 14) وقال تعالى ﴿الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم﴾ إلى قوله ﴿ليكتمون الحق وهم يعلمون﴾ (البقرة : 146).وقال تعالى في صفة الأخسرين : ﴿قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً﴾ الآية (الكهف : 103) ؟ وقال تعالى ﴿أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء﴾ (فاطر : 8).فالأول : حال المغضوب عليهم ، الذين يعرفون الحق ولا يتبعونه ، كما هو موجود في اليهود .والثاني حال الذين يعملون بغير علم ، قال تعالى ﴿وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم﴾ (الانعدام : 119) وقال تعالى ﴿ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله﴾ (القصص : 50).وكل من يخالف الرسل هو مقلد متبع لمن لا يجوز له اتباعه ، وكذلك من اتبع الرسل بغير بصيرة ولا تبين ، وهو الذي يسلم بظاهره من غير أن يدخل الإيمان إلى قلبه كالذي يقال له في القبر : من ربك ؟ وما دينك ؟ وما نبيك ؟ . فيقول : هاه ، هاه ، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته – هو مقلد فيضرب بمرزبة من حديد ، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلاّ الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق ، أي ، لمات.وقد قال تعالى : ﴿قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ﴾ (الحجرات : 14) فمن لم يدخل الإيمان في قلبه وكان مسلماً في الظاهر ، فهو من المقلدين المذمومين .
فإذا تبين أن المقلد مذموم – وهو من اتبع هوى من لا يجوز اتباعه – كالذي يترك طاعات رسل الله ، ويتبع ساداته وكبراءه ، أو يتبع الرسول ظاهراً من غير إيمان في قلبه ، تبين أن اليهود والنصارى كلهم مقلدون تقليداً مذموماً ، وكذلك المنافقون من هذه الأمة .
وأما أهل البدع ، ففيهم بر وفجور وبيان ذلك من وجوه :
أحدها : أن اليهود والنصارى الذين يزعمون أنهم يتبعون موسى وعيسى صلى الله عليهما وسلم ، إنما يتبعونهم لأجل أنهم رسل الله ، وما من طريق تثبت بها نبوة موسى وعيسى عليهما السلام إلاّ ومحمد
أولى وأحرى .
مثال ذلك : إذا قال اليهود والنصارى : قد ثبت بالنقل المتواتر أن موسى وعيسى – مع دعواه النبوة - ظهرت على يديه الآيات الدالة على صدقه ، وأنه جاء من الدين والشريعة ما يعلم أنه لم يجيء به مفتر كذاب – ظهرت على يديه الآيات الدالة على صدقه – وإنما يجيء به مع دعوى النبوة نبي صادق . قيل له : كل من هاتين الطريقتين دليل يثبت نبوة محمد
بطرق الأولي .
فإنه من المعلوم أن الذين نقلوا ما دعا إليه محمد
من الدين والشريعة ونقلوا ما جاء به من الآيات المعجزات ، أعظم من الذين نقلوا مثل ذلك عن موسى وعيسى وما جاء به من هذين النوعين أعظم مما جاء به موسى وعيسى ، بل من نظر بعقله في هذا الوقت إلى ما عند المسلمين من العلم النافع ، والعمل الصالح وما عند اليهود والنصارى ، علم أن بينهما من الفرق أعظم مما بين العرم  والعِرق .
فإن الذي عند المسلمين ، من توحيد الله ومعرفة أسمائه وصفاته ، وملائكته وأنبيائه ورسله ومعرفة اليوم الآخر ، وصفة الجنة والنار ، والثواب والعقاب ، والوعد والوعيد ، أعظم وأجل بكثير مما عند اليهود والنصارى ، وهذا بين لكل من يبحث عن ذلك .
وما عند المسلمين من العبادات الظاهرة والباطنة مثل الصلوات الخمس ، غيرها من الصلوات ، والأذكار والدعوات ، أعظم وأجل مما عند أهل الكتاب ، وما عندهم من الشريعة في المعاملات ، واالمناكحات والأحكام والحدود والعقوبات ، أعظم وأجل مما عند أهل الكتاب .
فالمسلمون فوقهم في كل علم نافع ، وعمل صالح ، وهذا يظهر لكل أحد بأدنى نظر ، لا يحتاج إلى كثير سعي .
والمسلمون متفقون على أن كل هدى وخير يحصل لهم ، فإنما حصل بنبيهم
، فكيف يمكن مع هذا أن يكون موسى وعيسى نبيين ، ومحمد ليس بنبي ، وأن اليهود والنصارى على الحق ؟! .
فما هم عليه من الهدى ودين الحق ، أعظم مما عند اليهود والنصارى ، وذلك إنما تلقوه من نبيهم .
وهذا القدر يعترف به كل عاقل – من اليهود والنصارى – يعترفون بأن دين المسلمين حق ، وأن محمداً رسول الله
، وأن من أطاعه منهم دخل الجنة ، بل يعترفون بأن دين الإسلام خير من دينهم ، كما أطبقت على ذلك الفلاسفة ، كما قال ابن سينا وغيره : أجمع فلاسفة العالم على أنه لا يقرع العالم ناموس أعظم من هذا الناموس ، لكن من لم بتبعه يعلل نفسه بأنه لا يجب عليه اتباعه ، لأنه رسول إلى العرب الأميين دون أهل الكتاب ،لأنه إن كان دينه حقاً فديننا أيضاً حق ، والطريق إلى الله تعالى  متنوعة ، ويشبهون ذلك بمذاهب الأئمة ، فإنه وإن كان أحد المذاهب يرجع على الآخر،فأهل المذاهب الأخرى ليسوا كفاراً ولا من أهل الكتاب .
هذه الشبهة التي يضل بها المتكايسون  من أهل الكتاب ، والمتفلسفة ونحوهم ، وبطلانها ظاهرة ، فإنه كما علم علماً ضرورياً متواتراً أنه دعا المشركين إلى الإيمان فقد علم بمثل ذلك أنه دعا أه الكتاب إلى الإيمان به ، وأنه جاهد أهل الكتاب كما جاهد المشركين ، فجاهد بني قينقاع ، وبني النضير ، وقريضة ، وأهل خيبر ، وهؤلاء كلهم يهود ، وسبى ذريتهم ونساءهم وغنم أموالهم ، وأنه غزا النصارى عام تبوك بنفسه وبسراياه ، حتى قتل في محاربتهم زيد بن محمد مولاه الذي كان تبناه ، وجعفر وغيرهما من أهله وأنه ضرب الجزية على نصارى نجران .
وكذالك خلفاؤه الراشدون من بعده جاهدوا أهل الكتاب وقاتلوا من قاتلهم،وضربوا الجزية على من أعطاها منهم عن يد وهم صاغرون.
وهذا القرآن الذي يعرف كل أحد أنه الكتاب الذي جاء به ، مملوء من دعوة أهل الكتاب إلى أتباعه ، يكفر من لم يتبعه منهم ، ويذمه ويلعنه ، والوعيد له كما في تكفير من لم يتبعه من المشركين وذمه ، والوعيد كما قال تعالى ﴿يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم﴾ الآية (النساء 47) وفي القرآن من قوله : يا أهل الكتاب ، يابني إسرائيل ، ما لا يحصى إلا بكلفة .وقال تعالى ﴿لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين﴾ الآية إلى قوله ﴿خير البرية﴾ (البينة : 1-7) ومثل هذا في القرآن كثير جداً وقد قال تعالى ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض﴾ (الأعراف : :158) وقال تعلى ﴿وما أرسلناك إلاّ كافة للناس﴾ (سبأ : 28) .واستفاض عنه
(فٌضِّلت على الأنبياء بخمس ) ذكر فيها أنه قال (كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)  بل تواتر عنه أنه بعث إلى الجن والأنس فإذا علم بالاضطرار بالنقل المتواتر – الذي تواتر كما تواتر ظهور دعوته – أنه دعا أهل الكتاب إلى الإيمان به ، وأنه حكم بكفر من لم يؤمن به منهم وأنه أمر بقتالهم حتى يسلموا ، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وأنه قاتلهم بنفسه وسراياه وأنه ضرب الجزية عليهم وقتل مقاتلتهم ، وسبى ذراريهم ، وغنم أموالهم ، فحاصر بني قينقاع ، ثم أجلاهم أذرعات  ، وحاصر بني النظير ، ثم أجلاهم إلى خيبر ، وفي ذلك أنزل الله سورة الحشر .
ثم حاصر بني قريضة لما نقضوا العهد ، وقتل رجالهم ، وسبى حريمهم ، وأخذ أموالهم وقد ذكره الله – تعالى – في سورة الأحزاب وقاتل أهل خيبر حتى فتحها ، وقتل من قتل من رجالهم وسبى من سبى من حريمهم وقسم أرضهم بين المؤمنين وقد ذكرها الله – تعالى – في سورة الفتح وضرب الجزية على النصارى ، وفيهم أنزل الله سورة آل عمران ، وفي عامة السور المدنية ، مثل البقرة وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، وغير ذلك من السور المدنية ، من دعوة أهل الكتاب ، وخطابهم ، ما لا تتسع هذه الفتوى لعُشرِه .
ثم خلفاؤه بعد أبو بكر وعمر ، ومن معهما من المهاجرين والأنصار ، الذي يعلم أنهم كانوا أتبع الناس له ، وأطوعهم لأمره ، وأحفظهم لعهده ، وقد غزوا الروم كما غزوا فارس ، وقاتلوا أهل الكتاب كما قاتلوا المجوس ، فقاتلوا من قاتلهم ، وضربوا الجزية على من أداها منهم عن يد وهم صاغرون .ومن الأحاديث الصحيحة عنه قوله
: (والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم لا يؤمن بي إلاّ دخل النار )  .قال سعيد بن جبير تصديق ذلك في كتاب الله تعالى : ﴿ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده﴾ (هود : 17) ومعنى الحديث متواتر عنه ، معلوم بالاضطرار فإذا كان الأمر كذلك لزم بأنه رسول الله لا يكذب ، ولا يقاتل الناس على طاعته بغير أمر الله ، ولا يستحل دماءهم ، وأموالهم ، وديارهم بغير إذن الله .فمن قال : إن الله أمره بذلك وفعله ، ولم يكن الله أمره بذلك ، كان كاذباً مفترياً ظالماً ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء﴾ (الأنعام : 93) وكان مع كونه ظالماً مفترياً ، من أعظم المريدين علواً في الأرض وفساداً ، وكان أشر من الملوك الجبابرة الظالمين ، فإن الملوك الجبابرة الذين يقاتلون الناس على طاعتهم ، لايقولون إنا رسل الله اليكم ، ومن أطاعنا دخل الجنة ، ومن عصانا دخل النار ، بل فرعون وأمثاله لا يدخلون في مثل هذا ، ولا يدخل في هذا إلاّ نبي صادق ، أو متنبئ كذاب ، كمسيلمة والأسود وغيرهما .فإذا علم أنه نبي كيف ما كان ، لزم أن يكون ما أخبر به عن الله حقاً ، وإذا كان رسول الله وجبت طاعته في كل ما يأمر به ، كما قال تعالى : ﴿وما أرسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله ﴾ ( النساء : 64) وإذا أخبر أنه رسول الله الى أهل الكتاب ، وانهم تجب عليهم طاعته ، كان ذلك حقاً ، ومن أقر بأنه رسول الله وأنكر أن يكون مرسلاً الى أهل الكتاب بمنزلة إسرائيل من مصر وأن الله لم يأمره بذلك وأن الله لم يأمره بالسبت ولا أنزل عليه التوراة ولا كلمه على الطور ومن يقول إن عيسى كان رسول الله لم يبعث الى بني اسرائيل ولا كان يجب على بني اسرائيل طاعته وأنه ظلم اليهود وأمثال ذلك المقالات التي هي أكفر المقالات .ولهذا قال تعالى ﴿إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض﴾ الى قوله ﴿والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم﴾ الآية (النساء : 150-152) وقال لبني اسرائيل ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض﴾ الى قوله : ﴿ وما الله بغافل عما تعملون ﴾ (البقرة :85) .فهذه الطريقة الواضحة البينة القاطقة يبين بها لكل مسلم ويهودي ونصراني أن دين المسلمين هو الحق دون اليهود والنصارى فإنها مبنية على مقدمتين .
إحداهما : أن نبوة محمد
ورسالته وهدي أمته أبين وأوضح تعلم بكل طريق تعلم بها نبوة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وزيادة فلا يمكن القول بأنهما نبيان دونه لأجل ذلك وإن شاء الرجل استدل على ذلك بنفس الدعوة وما جاء به وإن شاء بالكتاب الذي بعث به وإن شاء بما عليه أمته وإن شاء بما بعث به من المعجزات فكل طريق من هذه الطرق اذا تبين بها نبوة موسى وعيسى كانت نبوة محمد بها أبين وأكمل .
والمقدمة الثانية : أنه أخبر أن رسالته عامة الى أهل الأرض من المشركين وأهل الكتاب وأنه لم يكن مرسلاً الى بعض الناس دون بعض وهذا أمر معلوم بالضرورة والنقل المتواتر والدلائل القطعية .وأما اليهود والنصارى فأصل دينهم حق كما قال تعالى ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين منهم من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ (البقرة : 62) لكن كل من الدينين مدل منسوخ فإن اليهود بدلوا وحرفوا ثم نسخ بقية شريعتهم بالمسيح
.ونفس الكتب التي بأيدي اليهود والنصارى مثل نبوة الانبياء وهي اكثر من عشرين نبوة وغيرها تبين انهم بدلوا وأن شريعتهم تنسخ وتبين صحة رسالة محمد فإن فيها من الاعلام والدلائل على نبوة خاتم المرسلين ما قد صنف فيه العلماء مصنفات وفيها أيضاً من التناقض وااختلاف مايبين أيضاً وقوع التبديل وفيها من الأخبار من نحو بعدها ما بين أنها منسوخة فعندهم مايدل على هذه المطالب وقد ناظرنا غير واحد من أهل الكتاب وبيناً لهم ذلك وأسلم من علمائهم وخيارهم طوائف وصاروا يناظرون أهل دينهم ويبينون ما عندهم من الدلائل على نبوة محمد ولكن هذه الفتيا لا تحتمل غير ذلك .وهذا من الحكمة في ابقاء أهل الكتاب بالجزية إذ عندهم من الشواهد والدلائل على نبوة محمد وعندهم من الشواهد على ما أخبر به من الايمان بالله واليوم الآخر ما يمثل ما أخبرت به الانبياء قبله قال تعالى ﴿قل أرئيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله﴾(الأحقاف : 10) وقوله ﴿قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب﴾( الرعد : 43)وقال تعال ﴿فإن كنت في شك مما أنزلنا اليك فاسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك﴾( يونس : 94).والنبي لم يشك ولم يسأل ولكن هذا حكم معلق بشرط والمعلق بالشرط يعدم عند عدمه وفي ذلك سعة لمن شك أو أراد أن يحتج أو يزداد يقيناً .
(فصل)
فهذه الطريقة بينة في مناظرة أهل الكتاب وأما إن كان المخاطب لا يقر بنبوة نبي من الأنبياء لا موسى ولا عيسى ولا غيرهما
فللمخاطبة طرق .
منها : أن نسلك في الكلام بين أهل الملل وغيرهم من المشركين والصابئين والمتفلسفة والبراهمة وغيرهم نظير الكلام بين السلمين وأهل الكتاب .
فنقول : من المعلوم لكل عاقل له أدنى نظر وتأمل أن أهل الملل أكمل في العلوم النافعة والاعمال الصالحة ممن ليس من أهل الملل فما من خير يوجد عند غير المسلمين من أهل الملل إلا عند المسلمين ما هو أكمل منه وعند أهل الملل ما لايوجد عند غيرهم وذلك أن العلوم والأعمال نوعان .
نوع يحصل بالعقل : كعلم الحساب والطب وكالصناعة من الحياكة والخياطة والتجارة ونو ذلك فهذه الأمور عند أهل الملل كما هي عند غيرهم بل هم فيها أكمل فإن علوم المتفلسفة من علوم المنطق والطبيعة والهيئة وغير ذلك من متفلسفة الهند واليونان وعلوم فارس والروم لما صارت الى المسلمين هذبوها ونقحوها لكمال عقولهم وحسن ألسنتهم وكان كلامهم فيها أتم وأجمع وأبين وهذا يعرفة كل عاقل وفاضل وأما ما لا يعلم بمجرد العقل كالعلوم الإلهية وعلوم الديانات فهذه مختصة بأهل الملل وهذه منها ما يمكن أن يقام عليه أدلة عقلية فالآيات الكتابية مستنبطة من الرسالة فالرسل هدوا الخلق وأرشدوهم الى دلالة العقول عليها فهي عقلية شرعية فليس لمخالف الرسول أن يقول : هذه لم تعلم إلاّ بخبرهم فإثبات خبرهم بها دور بل يقال بعدالتهم وإرشادهم وتبينهم للمعقول صارت معلومة بالعقل والأمثال المضروبة والأقيسة العقلية .
وبهذه العلوم يعلم صحة ماجاء به الرسول
وبطلان قول من خالفهم .
النوع الثاني : ما لا يعلم إلا بخبر الرسل فهذا يعلم بوجوه :
منها : اتفاق الرسل علي الاخبار به من غير تواطؤ ولا اتفاق بينهم فإن المخبر إما أن يكون متعمداً للكذب وإما أن يكون مخطئاً فإذا قدر عدم الخطأ والتعمد كان خبره صدقاً لا محالة .
ومعلوم أنه إذا أخبر واحد عن علوم طويلة فيها تفاصيل كثيرة لا يمكن في العادة خطؤهم وأخبر غيره قبل ذلك مع الجزم بأنهما لم يتواطآ ولا يمكن أن يقال أنه الكذب في مثل ذلك أفاد خبرهما العلم وإن لم يعلم حالهما فلو ناجى رجلا بحضرة رجال وحدث بحديث طويل فيه أسرار تتعلق به في رجل بتلك الامور الاسرار ثم جاء آخر قد علمنا أنه لم يتفق مع المخبر الاول فاخبر عن تل المناجاة والاسرار مثلما اخبر به الاول جزمنا قطعاً بصدقهما .ومعلوم أن موسى أخبر بما أخبر به قبل أن يبعث محمد
وقبل أن يبعث المسيح .ومعلوم أيضاً لكل من كان عالماً بحال محمد انه نشأ بين قوم أميين لا يقرؤون كتاباً ولا يعلمون علوم الانبياء وأنه لم يكن عندهم من يعلم ما في التوراة والانجيل ونبوة الانبياء .وقد أخبر محمد من توحيد الله وصفاته واسمائة وملائكته وعرشه وكرسية وانبيائة ورسله واخبرهم واخبار مكذبيهم بنظير ما يوجد في كتب الانبياء من التوراة وغيرها .فمن تدبر التوراة والقرآن علم أنهما جميعاً يخرجان من مشكاة واحدة كما ذكر ذلك النجاشي وكما قال ورقة بن نوفل : هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى ولهذا قرن الله – تعالى – بين التوراة والقرآن في مثل هذا في قوله ﴿لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل﴾ الى قوله ﴿إن كنتم صادقين﴾ (القصص : 48-49) وقالت الجن ﴿إنا سمعنا كتاباً أنزل من بد موسى مصدقاً لما بين يدية﴾ الاية (الاحقاف : 30) وقال ﴿أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة﴾ (هود : 17) وقال ﴿وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس﴾ الى قوله : ﴿وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ﴾ (الانعام : 91-92) .
ومن الطرق : الطرق الواضحة القاطعة المعلومة الى قيام الساعة بالتواتر من أحوال أتباع الانبياء وأحوال من كذبهم وكفر بهم حال نوح وقومه وهود وقومه وصالح وقومه وحال ابراهيم وقومه وحال موسى وفرعون وحال محمد
وقومه .وهذا الطريق قد بينها الله في غير موضع من كتابه كقوله ﴿كذبت (قبلهم)﴾ قوم نوح والاحزاب من بعدهم﴾ الى قوله ﴿فكيف كان عقاب﴾ (غافر : 5) وقال ﴿وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم ابراهيم وقوم لوط . وأصحاب مدين وكُذب موسى﴾ الى قوله ﴿فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة﴾ الى قوله ﴿أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها﴾ (الحج : 42-46) ؟ وقوله : ﴿وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون﴾ (الصافات : 137-138) ؟ وقال : ﴿إن في ذلك لآيات للمتوسمين﴾ (الحجر : 75) .فبين أنه تارك آثار القوم المعذبين للمشاهدة ويستدل بذلك على عقوبة الله لهم ، وقال تعالى : ﴿وكم أهلكنا من القرون﴾ الآيتان (الاسراء : 17-18) فذكر طريقين يعلم بهما ذلك .
أحدهما : ما يعاين ويعقل بالقلوب .
والثاني : مايسمع ، فإنه قد تواتر عند كل أحد حال الانبياء ومصدقهم ومكذبهم وعاينوا من آثارهم ما دل على أنه سبحانه عاقب مكذبهم وانتقم منهم وأنهم كانوا على الحق الذي يحبه ويرضاه وأن من كذبهم كان على الباطل الذي يغضب الله على أهله ، وأن طاعة الرسل طاعة لله ومعصيتهم معصية لله .
ومن الطرق أيضاً : أن يعلم ما تواتر من معجزاتهم الباهرة وآياتهم القاهرة وأنه يمتنع أن تكون المعجزة على يد دعي النبوة وهو كذاب من غير تناقض ولا تعارض كما هو مبسوط في غير هذا الموضع .
ومن الطرق : أن الرسل جاؤوا من العلوم النافعة والاعمال الصالحة بما هو معلوم عند كل عاقل لبيب ولا ينكره إلا جاهل غاو .
وهذه الفتيا لا تسع البسط الكثير فإذا تبين صدقهم وجب التصديق في كل ما أخبروا به ووجب الحكم بكفر من آمن ببعض وكفر ببعض والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين ،
.
سُئِل عن عرضِ الأديان عند الموت :
هل لذلك أصل في الكتاب والسنة أم لا ؟ وقوله
: (إنكم لتفتنون في قبوركم) مالمراد بالفتنة ؟ وإذا ارتد العبد والعياذ بالله هل يجازى بأعماله الصالحة قبل الردة أم لا ؟ أفتونا مأجورين .
فأجاب : الحمد لله رب العالمن ، أما عرض ااديان على العبد وقت الموت فليس هو أمرا عاما لكل أحد ولا هو أيضاً منتفياً عن كل أحد بل من الناس من تعرض عليه الاديان قبل موته ومنهم من لا تعرض عليه وقد وقع ذلك لأقوام وهذا كله من فتنة المحيا والممات التي أمرنا أن نستعيذ منها في صلاتنا .
منها : ما في الحديث الصحيح : أمرنا النبي
أن نستعيذ في صلاتنا من أربع : من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال.ولكن وقت الموت أحرص ما يكون الشيطان على إغواء بني آدم ، لأنه وقت الحاجة .وقد قال النبي في الحديث الصحيح : (الأعمال بخواتيمها) وقال   (إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى مايكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) .ولهذا روى : (أن الشيطان أشد ما يكون على ابن آدم حين الموت ، يقول لأعوانه : دونكم هذا ، فإنه إن فاتكم لن تظفروا به أبداً ) .وحكاية عبدالله بن أحمد بن حنبل مع أبيه وهو يقول : لا ، بعد ، مشهورة .ولهذا يقال : إن من لم يحج يخاف عليه من ذلك لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي قال (من ملك زاداً أو راحلة تبلغه اى بيت الله الحرام ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً ) .قال الله تعالى : ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾ ( آل عمران :97) قال عكرمة لما نزلت هذه الاية : ﴿ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ (آل عمران : 85) قالت اليهود والنصارى : نحن المسلمون فقال الله لهم ﴿ولله على الناس حج البيت﴾ فقالوا : لا نحجه . فقال تعالى : ﴿ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾ .وأما الفتنة في القبور فهي الامتحان والاختبار للميت حين يسأله الملكان فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم (محمد) ؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فيقول المؤمن : الله ربي والاسلام ديني ومحمد نبيي وقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه فينتهرانه انتهارة شديدة وهي آخر فتنة التي يفتن بها المؤمن فيقولان له كما قلا أولاً .وقد تواترت الاحاديث عن النبي في هذه الفتنة من حديث البراء بن عازب وأنس بن مالك وأبي هريرة وعيرهم رضي الله عنهم وهي عامة للمكلفين ، إلاّ لا يفتنون لأن المحنة إنما تكون للمكلفين ، وهذا قول القاضي وابن عقيل .وعلة هذا فلا يلقنون بعد الموت وقيل : يلقنون ويفتنون أيضا وهذا قول أبي حكيم وأبي الحسن بن عبدوس ونقله عن أصحابه وهو مطابق لقول من يقول إنهم يكلفون يون القيامة كما هو قول اكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكلام وهو الذي ذكره ألو الحسن الاشعري – رضي الله عنه – عن أهل السنة واختاره وهو مقتضى نصوص الامام أحمد.وأما الردة عن الاسلام بأن يصير الرجل كافراً مشركاً أو كتابياً فإنه إذا مات على ذلك حبط عمله باتفاق العلماء كما نطق بذلك القرآن الكريم في غير موضع كقوله : ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة﴾ (البقرة : 217) وقوله : ﴿ومن يكفر بالايمان فقد حبط علمه﴾ (المائدة : 5) وقوله : ﴿ولوا أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون﴾ (الانعام : 88) وقوله : ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ (الزمر : 65).ولكن تنازعوا فيما إذا ارتد ثم عاد الى الاسلام هل تحبطج الاعما التي عملها قبل الردة أم لا تحبط إلا إذا مات مرتداً ؟ على قولين مشهورين هما قولان في مذهب الامام أحمد والحبوط : مذهب أبي حنيفة ومالك والوقوف : مذهب الشافعي .وتنازع الناس أيضاً – في المرتد هل يقال : كان له إيمان صحيح يحيط بالردة ؟ أم يقال بل بالردة تبينا أن إيمانه كان فاسداً ؟ وأن الايمان الصحيح لا يزول البتة ؟ على قولين لطوائف الناس وعلى ذلك يبني قول قول المستثنى : أنا مؤمن – إن شاء الله هل يعود الاستثناء الى كمال الايمان ؟ أو يعود الى الموافاة في المآل ، والله أعلم .
وسُئِل :
هل جميع الخلق – حتى الملائكة – يموتون ؟
فأجاب :
الذي عليه أكثر الناس : أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة ، وحتى عزرائيل ملك الموت ، وروى في ذلك حديث مرفوع الى النبي
والمسلمون واليهود والنصارى متفقون على إمكان ذلك وقدرة الله عليه وإنما يخالف في ذلك طوائف من المتفلسفة أتباع أرسطو وأمثالهم ومن دخل معهم من المنتسبين الى الاسلام أو اليهود والنصارى كأصحاب (رسائل إخوان الصفا) وأمثالهم ممن زعم أن الملائكة هي العقول والنفوس وأنه لا يمكن موتها بحال بل هي عندهم آلهة وأرباب لهذا العالم .والقرآن وسائر الكتب تنطق بأن الملائكة عبيد مدبرون كما قال سبحانه ﴿لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً﴾ (النساء : 172) وقال تعالى ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون . لا يسبقونه بالقول وهو بأمره يعملون . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾ (الانبياء : 26-28) ، وقال : ﴿وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلاّ من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى﴾ (النجم :26) .والله – سبحانه – قادر على أن يميتهم ثم يحييهم كما هو قادر على إماتة البشر والجن ثم إحيائهم وقد قال سبحانه : ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى﴾ (الروم : 27) .وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي من غير وجه وعن غير واحد من الصحابة أنه قال : (إن الله إذا تكلم بالوحي أخذ الملائكة مثل الغشى) وفي رواية : (إذا سمعت الملائكة كلامه صعقوا) وفي رواية : (سمعت الملائكة كجر السلسة على الصفوان فيصعقون فإذا فزع عن قلوبهم) أي : أزيل الفزع عن قلوبهم ( قالوا : ما قال ربكم ؟ قالوا : الحق فينادون : الحق ، الحق) فقد أخبر هذه الأحاديث الصحيحة أنهم يصعقون صعق الغشي فإذ جاز عليهم صعق الغشي جاز صعق الموت وهؤلاء المتفلسفة لا يجوزون لا هذا ولا هذا وصعق الغشي وهو مثل صعق موسى – عليه السلام – قال تعالى ﴿فملا تجلى ربه للجبل جعله دكاء وخر موسى صعقاً﴾ (الاعراف : 143).
والقرآن قد أخبر بثلاث نفخات :نفخة الفزع ذكرها في سورة النمل في قوله ﴿ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلاّ من شاء الله وكل أتوه داخرين﴾ (النمل : 87) .ونفخة الصعق والقيام ذكرهما في قوله : ﴿ويوم ينفه في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلاّ من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون﴾ (الزمر : 68) وأما الاستثناء فهو متناول لمن في الجنة من الحو العين فإن الجنة ليس فيها موت ومتناول لغيرهم ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله فإن الله أطلق في كتابه.وقد ثبت في الصحيح أن النبي
قال : (إن الناس يُصعقون يوم القيامة فأكون أول من يُفيق فأجد موسى آخذاً بساق العرش فلا أدري هل أفاق قبلي أم كان ممن استثناه الله ؟) وهذه الصعقة قد قيل : إنها رابعة وقيل إنها من المذكورات في القرآن.
وبكل حال : النبي
قد توقف في موسى وهل هو داخل في الاستثناء فيمن استثناه الله أم لا . فإذا كان النبي لم يخبر بكل من استثنى الله لم يمكنا نحن أن نجزم بذلك وصار هذا مثل العلم بوقت الساعة وأعيان الانبياء وأمثال ذلك مما لم يخبر به وهذا العلم لا ينال إلا بالخبر والله أعلم ، .
قال شيخ الاسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية – رحمه الله :-
فصل
مذهب سائر المسلمين بل وسائر أهل الملل إثبات القيامة الكبرى وقيام الناس من قبورهم والثواب والعقاب هناك وإثبات الثواب والعقاب في البرزخ – ما بين الموت الى يوم القيامة هذا قول السلف قاطبة وأهل السنة والجماعة ، وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع .
لكن من أهل الكلام من يقول : هذا إنما يكون على البدن فقط كأنه ليس عنده نفس تفارق البدن كقول من يقول ذلك من المعتزة والأشعرية .
ومنهم من يقول :بل هو على النفس فقط بناء على أنه ليس في البرزخ عذاب على البدن ولا نعيم كما يقول ذلك ابن ميسرة وابن حزم .
ومن من يقول : بل البدن ينعم ويعذب بلا حياة فيه كما قاله طائفة من أهل الحديث وابن الزاغوني يميل الى هذا في مصنفه في حياة الانبياء في قبورهم وقد بسط الكرم على هذا في مواضع .والمقصود هنا أن كثيراً من أهل الكلام ينكر أن يكون للنفس وجود بعد الموت ولا ثواب ولا عقاب ويزعمون أنه لم يدل على ذلك القرآن والحديث كما أن الذين أنكروا عذاب القبر والبرزخ مطلقاً زعموا أنه لم يدل على ذلك القرآن وهو غلط ، بل القرآن قد بين في غير موضع بقاء النفس بعد فراق البدن وبين النعيم والعذاب في البرزخ .وهو – سبحانه – وتعالى في السورة الواحدة يذكر (القيامة الكبرى) و(الصغرى) كما في سورة الواقعة ، فإنه ذكر في أولها القيامة الكبرى وأن الناس يكونون أزواجاً ثلاثة كما قال تعالى ﴿إذا وقعت الواقعة . ليس لوقعتها كاذبة . خافضة رافعة . إذا رجت الأرض رجا . وبست الجبال بسا . فكانت هباءً منبثاً . وكنتم أزواجاً ثلاثة﴾ (الواقعة : 1-7) .ثم إنه في آخرها ذكر القيامة الصغرى بالموت وأنهم ثلاثة أصناف بعد الموت ، فقال : ﴿فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون . ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون . فلولا إن كنتم غير مدينين . ترجعونها إن كنتم صادقين . فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم . وأما إن كان من أصحاب اليمين . فسلام لك من أصحاب اليمين . وأما إن كان من المكذبين الضالين . فنزل من حميم وتصلية جحيم﴾ (الواقعة : 83-94) فهذا فيه أن النفس تبلغ الحلقوم وأنهم لا يمكنهم رجعها وبين حال المقربين وأصحاب اليمين والمكذبين حينئذ .وفي سورة القيامة ذكر أيضاً القيامتين فقال : ﴿لا أقسم بيوم القيامة﴾ (القيامة : 1) ثم قال : ﴿ولا أقسم بالنفس اللوامة﴾ (القيامة : 2) وهي نفس الانسان .وقد قيل : إن النفس تكون لوامة وغير لوامة وليس كذلك بل نفس كل انسان لوامة فإنه ليس بشر إلا يلوم نفسه ويندم إما في الدنيا وإما في الآخرة فهذا إثبات النفس ، ثم ذكر معاد البدن فقال ﴿أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه . بلا قادرين على أن نسوي بنانه . بل يريد الانسان ليفجر أمامه . يسئل أيان يوم القيامة﴾ (القيامة : 3-6) ووصف حال القيامة الى قوله ﴿تظن أن يفعل بها فاقرة﴾ (القيامة : 25) .ثم ذكر الموت فقال : ﴿كلا إذا بلغت التراقي﴾ (القيامة :26) وهذا إثبات للنفس وأنها تبلغ التراقي كما قال هناك ﴿بلغت الحلقوم﴾ (الواقعة : 83) والتراقي متصلة بالحلقوم .ثم قال : ﴿وقيل من راق﴾ (القيامة : 27) يرقيها وقيل : من صاعد يصعد بها الى الله والاول أظهر ، لاأن هذا قبل الموت فإنه قال ﴿وظن أنه الفراق﴾ (القيامة : 28) فدل على أنهم يرجونه ويطلبون له راقياً يرقيه ، وأيضاً فصعودها لا يفتقر الى طلب من يرقي بها فإن لله ملائكة يفعلون مايؤمرون والرقية أعظم الأدوية فإنها دواء روحاني ولهذا قال النبي
في صفة المتوكلين : (لا يسترقون) والمراد أنه يخاف الموت ويرجو الحياة بالراقي ولهذا قال : ﴿وظن أنه الفراق﴾ .ثم قال : ﴿والتفت الساق بالساق . الى ربك يومئذ المساق﴾ (القيامة : 29-30﴾ فدل على نفس موجودة قائمة بنفسها تساق الى ربها والعرض القائم بغيره لا يساق ولا بدن الميت فهذا نص في اثبات نفس تفاق البدن تساق الى ربها كما نطقت بذلك الاحاديث المستفيضة في قبض روح المؤمن وروح الكافر .ثم ذكر بعد هذا صفة الكافر بقوله مع هذا الوعيد الذي قدمه : ﴿فلا صدّق ولا صلى﴾ (القيامة : 31) وليس المراد أن كل نفس من هذه النفوس كذلك .وكذلك سورة (ق) هي في ذكر وعي القيامة ومع هذا قال فيها ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد﴾ (ق : 19) ثم قال بعد ذلك ﴿ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد﴾ (ق : 20) فذكر القيامتين الصغرى والكبرى وقوله ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق﴾ أي : جاءت بما بعد الموت من ثواب وعقاب وهو الحق الذي أخبرت به الرسل ليس مراده أنها جاءت بالحق الذي هو الموت فإن هذا مشهور لم ينازع فيه ولم يقل أحد : إن الموت باطل حتى يقال : جاءت بالحق .
وقوله : ﴿ذلك ما كنت منه تحيد﴾ فالانسان وإن أكره الموت فهو يعلم أنه تلاقيه ملائكته وهذا كقوله ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ (الحجر : 99) واليقين ما بعد الموت كما قال النبي
(أما عثمان ن مظعون فقد جاءه اليقين من ربه) وإلا فنفس الموت – مجر عما بعده – أمر مشهود لم ينازع فيه أحد حتى يسمى يقيناً .وذكر عذاب القيامة والبرزخ معاً في غير موضع وذكره في قصة آل فرعون فقال ﴿وحاق بآل فرعون سوء العذاب ﴾. (غافر : 45-46) وقال في قصة نوح ﴿مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً﴾ (نوح : 25) مع إخبار نوح لهم بالقيامة في قوله ﴿والله أنبتكم من الارض نباتاً . ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً﴾ (نوح : 17-18) .وقد ذكرنا في غير موضع أن الرسل قبل محمد أنذروا بالقيامة الكبرى تكذيباً لمن نفى ذلك من المتفلسفة وقال عن المنافقين ﴿سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم﴾ (التوبة : 101) قال غير واحد من العلماء : المرة الاولى في الدنيا والثانية في البرزخ ﴿ثم يردون الى عذاب عظيم﴾ في الآخرة .وقال تعالى في الانعام ﴿ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون . ولقج جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم﴾ (الانعام : 93-94) وهذه صفة حال الموت وقوله ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ دل على وجود النفس التي تخرج من البدن وقوله ﴿اليوم تجزون عذاب الهون﴾ دل على وقوع الجزاء عقب الموت .وقال تعالى في الانفال ﴿ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق . ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلاّم للعبيد﴾ (الانفال : 50-51) وهذا ذوق له بعد الموت .وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن النبي لما أتى المشركين يوم بدر في القليب ناداهم (يافلان ، يفلان ، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً) وهذا دليل على وجودهم وسماعهم وأنهم وجدوا ما وعدوه بعد الموت من العذاب وأما نفس قتلهم فقد علمه الاحياء منهم .وقال تعالى في سورة النساء ﴿إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وسائت مصيراً﴾ (النساء : 97) وهذا خطاب لهم إذا توفتهم الملائكة وهم لا يعاينون الملائكة إلاّ وقد يئسوا من الدنيا ومعلوم أن البدن لم يتكلم لسانه بل هو شاهد يعلم أن الذي يخاطب الملائكة هو النفس والمخاطب لا يكون عرضاً .وقال تعالى في النحل : ﴿الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون . فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين﴾ (النحل :28-29) وهذا القاء للسلم اى حين الموت وقول للملائكة ﴿ماكنا نعمل من سوء﴾ وهذا إنما يكون من النفس .وقد قال في النحل : ﴿الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون﴾ (لنحل : 32) وقال في السجدة ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون﴾ (فصلت : 30-31) وقد ذكروا أن هذا التنزل عند الموت .وقال تعالى في سورة آل عمران ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون . فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين﴾ (آل عمران : 169-171) وقال قبل ذلك في سورة البقرة ﴿ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون﴾ (البقرة : 154) .وأيضاً فقال تعالى ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى إلى أجل مسمى﴾ (الزمر : 42) وهذا بيان لكون النفس تقبض وقت الموت ثم منها ما يمسك فلا يرسل الى بدنهخ وهو الذي قضى عليه الموت ومنها مايرسل الى أجل مسمى وهذا إنما يكون في شيء يقوم بنفسه لا في عرض قائم بغيره فهو بيان لوجود النفس المفارقة بالموت .والأحاديث الصحيحة توافق هذا كقول النبي (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) وقال – لما ناموا عن صلاة الصبح (إن الله قبض أرواحنا حيث شاء) .وقال تعالى ﴿وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون . وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم ليفرطون . ثم ردوا الى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين﴾ (الانعام : 60-62) فهذا توف لها بالنوم الى أجل الموت لذي ترجع فيه الى الله واخبار أن الملائكة تتوفاها بالموت ثم يردون الى الله والبدن وما يقوم به من الاعراض لا يرد إنما يرد الروح .وهو مثل قوله في يونس ﴿وردوا الى الله﴾ (يونس : 3) وقال تعالى ﴿إن الى ربك الرجعى﴾ (العلق : 8) وقال تعالى ﴿يا أيتها النفس المطمئنة . ارجعي الى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي . وادخلي جنتي﴾ (الفجر : 27-30) وقال تعالى : ﴿قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم الى ربكم ترجعون﴾ (السجدة : 11) وتوفي الملك إنما يكون لما هو موجود قائم بنفسه وإلاّ فالعرض القائم بغيره لا يتوفى فالحياة القائمة بالبدن لاتتوفى بل تزول وتعدم كما تعدم حركته وإدراكه .وقال تعالى في المؤمنين ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون . لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلاّ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون﴾ (المؤمنون :99،10) فقوله ﴿ارجعون﴾ طلب لرجع النفس الى البدن كما قال في الواقعة ﴿فلولا إن كنتم غير مدينين . ترجعونها إن كنتم صادقين﴾ (الواقعة : 86-87) وهو يبين أن النفس موجودة تفارق البدن بالموت قال تعالى ﴿إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون﴾ (المؤمنون : 100) آخره . ،والحمد لله رب العالمين .
سُئِل شيخ الاسلام – رحمه الله – عن (الروح المؤمنة) أن الملائكة تتلقاها وتصعد بها الى السماء التي فيها الله .
فأجاب :أما الحديث المذكور في (قبض روح المؤمن وأنه يصعد بها الى السماء التي فيها الله) فهذا حديث معروف جيد الاسناد وقوله (فيها الله) بمنزلة قوله تعالى ﴿أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الارض فإذا هي تمور . أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير﴾ (الملك : 16-17) وبمنزلة ماثبت في الصحيح أن النبي
قال لجارية معاوية بن الحكم : (أين الله ؟) قالت في السماء ، قال : (من أنا ؟) قالت أنت رسول الله قال (أعتقها فإنها مؤمنة) .وليس المراد بذلك أن السماء تحصر الرب وتحويه كما تحوي الشمس والقمر وغيرهما فإن هذا لايقوله مسلم ولا يتقده عاقل فقد قال – سبحانه وتعالى – ﴿وسع كرسيه السماوات والارض﴾ (البقرة : 255) والسماوات في الكرسي كحلقة ملقاة في أرض فلاة والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة والرب – سبحانة – فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته .
وقال تعالى ﴿ولأُصلبنكم في جذوع النخل﴾ (طه : 71) وقال ﴿فسيحوا في الأرض﴾ (التوبة : 2) وقال ﴿يتيهون في الأرض﴾ (المائدة : 26) وليس المراد أنهم في جوف النخل وجوف الارض بل معنى ذلك أنه فوق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش .وقال ﴿ياعيسى إني متوفيك ورافعك الي﴾ (آل عمران : 55) وقال تعالى ﴿تعرج الملائكة والروح اليه﴾ (المعارج : 4) وقال ﴿بل رفعه الله إليه﴾ (النساء : 158) وأمثال ذلك في الكتاب والسنة وجواب هذه المسألة مبسوط في غير هذا الموضع .

 الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد بن حنبل (164- 241 هـ

مقدمة       بسم الله الرحمن الرحيم

    أخبرنا أبو طاهر المبارك بن المبارك بن المعطوش في كتابه أن أبا الغنائم محمد بن أحمد بن محمد المهتدي بالله أجاز لهم أن أبا القاسم عبدالعزيز بن على الأزجى أجاز لهم عن أبي بكر عبدالعزيز المعروف بغلام الخلال أداء قال أخبرني الخضر بن المثنى سنان قال أنبأنا عبدالله بن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى قال هذا ما أخرجه أبي رحمه الله في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته تأويله      قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ورضى عنه      الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم     ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين

الرد على الزنادقة فما ادعوه من تعارض آي القرآن         المسألة الأولى قال أحمد في قوله عز وجل كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب 56 النساء قالت الزنادقة فما بال جلودهم التي عصت قد احترقت وأبدلهم جلودا غيرها فلا نرى إلا أن الله يعذب جلودا لم تذنب حين يقول بدلناهم جلودا غيرها فشكوا في القرآن وزعموا أنه متناقض      فقلت إن قول الله بدلناهم جلودا غيرها ليس يعني جلودهم وإنما يعني بدلناهم جلودا غيرها تبديلها تجديدها لأن جلودهم إذا نضجت جددها الله وذلك لأن القرآن فيه خاص وعام ووجوه كثيرة وخواطر يعلمها العلماء      المسألة الثانية وأما قوله عز وجل هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون 35 المرسلات ثم قال في آية أخرى ثم إنكم يوم القيامة ثم ربكم تختصمون 31 الزمر فقالوا كيف يكون هذا من الكلام المحكم قال هذا يوم لا ينطقون ثم قال في موضع آخر ثم إنكم يوم القيامة ثم ربكم تختصمون فزعموا أن هذا الكلام ينقض بعضه بعضا فشكوا في القرآن     أما تفسير هذا يوم لا ينطقون فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين

سنة لا ينطقون ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون فذلك قوله ربنا أبصرنا وسمعنا فأرجعنا نعمل صالحا 12 السجدة فإذا أذن لهم في الكلام فتكلموا واختصموا فذلك قوله ثم إنكم يوم القيامة ثم ربكم تختصمون ثم الحساب وإعطاء المظالم ثم يقال لهم بعد ذلك لا تختصموا لدي أي عندي وقد قدمت إليكم بالوعيد 28 ق فإن العذاب مع هذا القول كائن      وأما قوله ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما 97 الإسراء وقال في آية آخرى ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة 50 الأعراف فقالوا كيف يكون هذا من الكلام المحكم ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ثم يقول في موضع آخر أنه ينادي بعضهم بعضا فشكوا في القرآن من أجل ذلك      أما تفسير ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار 44 الأعراف ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة فإنهم أول ما يدخلون النار يكلم بعضهم بعضا وينادون يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون 77 الزخرف ويقولون ربنا أخرنا إلى أجل قريب 44 إبراهيم ربنا غلبت علينا شقوتنا 106 المؤمنون فهم يتكلمون حتى يقال لهم اخسأوا فيها ولا تكلمون 108 المؤمنون فصاروا فيها عميا وبكما وصما وينقطع الكلام ويبقى الزفير والشهيق فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة من قول الله     وأما قوله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون 101 المؤمنون

وقال في آية أخرى فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون 50 الصافات فقالوا كيف يكون هذا من المحكم فشكوا في القرآن من أجل ذلك      فأما قوله عز وجل فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فهذا ثم النفخة الثانية إذا قاموا من القبور لا يتساءلون ولا ينطقون في ذلك الموطن فإذا حوسبوا ودخلوا الجنة والنار أقبل بعضهم على بعض يتساءلون فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة      المسألة الثالثة وأما قوله ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين 42 المدثر وقال في آية أخرى فويل للمصلين 4 الماعون فقالوا إن الله قد ذم قوما كانوا يصلون فقال ويل للمصلين وقد قال في قوم إنهم إنما دخلوا النار لأنهم لم يكونوا يصلون فشكوا في القرآن من أجل ذلك وزعموا أنه متناقض      قال وأما قوله فويل للمصلين عنى بها المنافقين الذين هم عن صلاتهم ساهون حتى يذهب الوقت الذين هم يراؤون 6 الماعون يقول إذا رأوهم صلوا وإذا لم يروهم لم يصلوا      وأما قوله ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين 42 المدثر يعنى الموحدين المؤمنين فهذا ما شكت فيه الزنادقة     المسألة الرابعة وأما قوله عز وجل خلقكم من تراب 11 فاطر ثم قال من طين لازب 11 الصافات ثم قال من سلالة 12 المؤمنون ثم قال من حمإ مسنون 26 الحجر ثم قال من صلصال كالفخار 14 الرحمن

فشكوا في القرآن وقالوا هذا ملابسة ينقض بعضه بعضا نقول هذا بدء خلق آدم خلقه الله أول بدء من تراب ثم من طينة حمراء وسوداء وبيضاء من طينة طيبة وسبخة فكذلك ذريته طيب وخبيث أسود وأحمر وأبيض ثم بل ذلك التراب فصار طينا فذلك قوله من طين فلما لصق الطين بعضه ببعض فصار طينا لازبا بمعنى لاصقا ثم قال من سلالة من طين 12 المؤمنون يقول مثل الطين إذا عصر انسل من بين الأصابع ثم نتن فصار حمأ مسنونا فخلق من الحمأ فلما جف صلصالا كالفخار يقول صار له صلصلة كصلصلة الفخار له دوى كدوى الفخار      فهذا بيان خلق آدم وأما قوله من سلالة من ماء مهين 8 السجدة فهذا بدء خلق ذريته من سلالة يعنى النطفة إذا انسلت من الرجل فذلك قوله من ماء يعنى النطفة مهين يعني ضعيف فهذا ما شكت فيه الزنادقة      المسألة الخامسة وأما قوله رب المشرق والمغرب 28 الشعراء رب المشرقين ورب المغربين 17 الرحمن ورب المشارق والمغارب 40 المعارج فشكوا في القرآن وقالوا كيف يكون هذا من الكلام المحكم      أما قوله رب المشرق والمغرب فهذا اليوم الذي يستوي فيه الليل والنهار أقسم الله بمشرقه ومغربه وأما قوله رب المشرقين ورب المغربين فهذا أطول يوم في السنة وأقصر يوم في السنة وأقسم الله بمشرقهما ومغربهما وأما قوله رب المشارق ورب المغارب فهو مشارق السنة ومغاربها فهذا ما شكت فيه الزنادقة     المسألة السادسة وأما قوله وإن يوما ثم ربك كألف سنة مما تعدون 47 الحج وقال في آية أخرى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في

يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون 5 السجدة وقال في آية أخرى تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا 4 المعارج فقالوا فكيف يكون هذا الكلام المحكم وهو ينقض بعضه بعضا      قال أما قوله وإن يوما ثم ربك كألف سنة مما تعدون فهذا من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض كل يوم كألف سنة وأما قوله يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة وذلك أن جبرائيل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام فهبوط خمسمائة وصعود خمسمائة عام فذلك ألف سنة      وأما قوله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يقول لو ولى نجاسة الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة ويفرغ الله منه مقدار نصف يوم من أيام الدنيا إذا أخذ في نجاسة الخلائق فذلك قوله وكفى بنا حاسبين 47 الأنبياء يعني سرعة الحساب      المسألة السابعة وأما قوله ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون إلى قوله والله ربنا ما كنا مشركين 22 الأنعام فأنكروا أن كانوا مشركين وقال في آية أخرى ولا يكتمون الله حديثا 42 النساء فشكوا في القرآن وزعموا أنه متناقض     وأما قوله والله ربنا ما كنا مشركين وذلك أن هؤلاء المشركين إذا رأوا

ما يتجاوز الله عن أهل التوحيد يقول بعضهم لبعض إذا سألنا نقول لم نكن مشركين فلما جمعهم الله وجمع أصنامهم وقال أين شركائي الذين كنتم تزعمون 22 الأنعام قال الله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين فلما كتموا الشرك ختم على أفواههم وأمر الجوارح فنطقت بذلك فذلك قوله اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون 65 يس فأخبر الله عز وجل عن الجوارح حين شهدت فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة      وأما قوله عز وجل ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما ساعة 55 الروم وقال يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا 103 طه وقال إن لبثتم إلا يوما 104 طه وقال إن لبثتم إلا قليلا 52 الإسراء ومن أجل ذلك شكت الزنادقة     أما قوله إن لبثتم إلا عشرا وذلك إذا خرجوا من قبورهم فنظروا إلى ما كانوا يكذبون به من أمر البعث قال بعضهم لبعض إن لبثتم في القبور إلا عشر ليال واستكثروا العشر فقالوا إن لبثتم إلا يوما في القبور ثم استكثروا اليوم فقالوا إن لبثتم إلا قليلا ثم استكثروا القليل فقالوا إن لبثتم إلا ساعة من نهار فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة

وأما قوله يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم 109 المائدة قالوا لا علم لنا وقال في آية أخرى ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم 18 هود فقالوا وكيف يكون هذا فيقولون لا علم لنا وأخبر عنهم أنهم يقولون هؤلاء الذين كذبوا على ربهم فزعموا أن القرآن ينقض بعضه بعضا      أما قوله يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم فإنه يسألهم ثم زفرة جهنم فيقول ماذا أجبتم في التوحيد فتذهب عقولهم ثم زفرة جهنم فيقولون لا علم لنا ثم ترجع إليهم عقولهم من بعد فيقولون هؤلاء الذين كذبوا على ربهم فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة      المسألة الثامنة وأما قوله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة 23 القيامة وقال في آية أخرى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار 103 الأنعام فقالوا كيف يكون هذا يخبر أنهم ينظرون إلى ربهم وقال في آية أخرى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فشكوا في القرآن وزعموا أنه ينقض بعضه بعضا      وأما قوله وجوه يومئذ ناضرة يعنى الحسن والبياض إلى ربها ناظرة يعني تعاين ربها في الجنة     وأما قوله لاتدركه الأبصار يعني الدنيا دون الآخرة وذلك أن اليهود قالوا لموسى أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة 153 النساء فماتوا وعوقبوا لقولهم أرنا الله جهرة وقد سألت مشركو قريش النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أو تأتي

بالله والملائكة قبيلا 92 الإسراء فلما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة قال الله تعالى أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل 108 البقرة حين قالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة الآية فأنزل الله سبحانه يخبر أنه لا تدركه الأبصار أي أنه لا يراه أحد في الدنيا دون الآخرة فقال لا تدركه الأبصار يعني في الدنيا أما في الآخرة فإنهم يرونه فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة      المسألة التاسعة وأما قول موسى سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين 143 الأعراف وقال السحرة إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين 51 الشعراء وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين إلى قوله وأنا أول المسلمين 163 الأنعام قالوا فكيف قال موسى وأنا أول المؤمنين وقد كان قبله إبراهيم مؤمنا ويعقوب وإسحق فكيف جاز لموسى أن يقول وأنا أول المؤمنين وقالت السحرة أن كنا أول المؤمنين وكيف جاز للنبي أن يقول وأنا أول المؤمنين وقد كان قبله مسلمون كثير مثل عيسى ومن تبعه فشكوا في القرآن وقالوا إنه متناقض      وأما قول موسى وأنا أول المؤمنين فإنه حين قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني 143 الأعراف ولا يراني أحد في الدنيا إلا مات فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين 143 الأعراف يعني أول المصدقين أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات      وأما قول السحرة أن كنا أول المؤمنين يعنى أول المصدقين بموسى من أهل مصر من القبط      وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أول المسلمين يعني من أهل مكة فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة     المسألة العاشرة وأما قوله أدخلوا آل فرعون أشد العذاب 46 غافر

وقال في آية أخرى فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين 115 المائدة وقال في آية أخرى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار 145 النساء فشكوا في القرآن وقالوا إنه ينقض بعضه بعضا      وأما قوله أدخلوا آل فرعون أشد العذاب يعني عذاب ذلك الباب الذي هم فيه وأما قوله فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وذلك أن الله مسخهم خنازير فعذبهم بالمسخ ما لم يعذب سواهم من الناس وأما قوله إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار لأن جهنم لها سبعة أبواب جهنم ولظى والحطمة وسقر والسعير والجحيم والهاوية وهم في أسفل درك فيها      وأما قوله تعالى ليس لهم طعام إلا من ضريع 6 الغاشية ثم قال إن شجرة الزقوم طعام الأثيم 43 الدخان فقد أخبر أن لهم الضريع فشكوا في القرآن وزعموا أنه متناقض      أما قوله ليس لهم طعام إلا من ضريع يقول ليس لهم طعام في ذلك الباب إلا من ضريع ويأكلون الزقوم ذلك الباب فذلك قوله إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة     المسألة الحادية عشر وأما قوله ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم 11 محمد ثم قال في آية أخرى ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق 62 الأنعام فقالوا كيف يكون هذا من الكلام المحكم يخبر أنهم ردوا إلى الله مولاهم الحق قال وأن الكافرين لا مولى لهم فشكوا في القرآن

أما قوله ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا يقول ناصر الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم يقول لا ناصر لهم      وأما قوله ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق لأن في الدنيا أرباب باطل فهذا ما شكت فيه الزنادقة      المسألة الثانية عشر وأما قوله إن الله يحب المقسطين 42 المائدة وقال في آية أخرى وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا 15 الجن فقالوا كيف يكون هذا من الكلام المحكم      أما قوله وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا يعني العادلون بالله الجاعلون له عدلا من خليقته فيعبدونه مع الله وأما قوله وأقسطوا إن الله يحب المقسطين يقول اعدلوا فيما بينكم وبين الناس إن الله يحب الذي يعدلون وقال في آية أخرى أإله مع الله بل هم قوم يعدلون 60 النسل يعني يشركون فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة      المسألة الثالثة عشر وأما قوله والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض 71 التوبة وقال في آية أخرى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا 72 الأنفال وكان ثم من لا يعرف معناه ينقض بعضه بعضا     وأما قوله الذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا يعنى من الميراث وذلك أن الله حكم على المؤمنين لما هاجروا إلى المدينة أن لا يتوارثوا إلا بالهجرة فإن مات رجل بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم وله أولياء بمكة لم يهاجروا كانوا لا يتوارثون وكذا إن مات رجل بمكة وله ولي مهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرثه

المهاجر فذلك قوله والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء من الميراث حتى يهاجروا فلما كثر المهاجرون رد ذلك الميراث إلى الأولياء هاجروا أو لم يهاجروا وذلك قوله وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين 75 الأنفال وأما قوله والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض 71 التوبة يعنى في الدين والمؤمن يتولى المؤمن في دينه فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة      المسألة الرابعة عشر وأما قوله لإبليس إن عبادي ليس لك عليهم سلطان 42 الحجر وقال موسى حين قتل النفس هذا من عمل الشيطان 15 القصص فشكوا في القرآن وزعموا أنه متناقض      أما قوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان يقول عبادي الذين استخلصهم الله لدينه ليس لإبليس عليهم سلطان أن يضلهم في دينهم أو عبادة ربهم ولكن يصيب منهم من قبل الذنوب فأما الشرك فلا يقدر إبليس أن يضلهم عن دينهم لأن الله سبحانه استخلصهم لدينه      وأما قول موسى هذا من عمل الشيطان يعني من تزيين الشيطان كما زين ليوسف ولآدم وحواء وهم عباد الله المخلصون فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة     المسألة الخامسة عشر وأما قول الله للكفار فاليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا 34 الجاثية وقال في آية أخرى في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى 52 طه فشكوا في القرآن

أما قوله فاليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا يقول نترككم في النار كما نسيتم كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا      وأما قوله في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى يقول لا يذهب من حفظه ولا ينساه      المسألة السادسة عشر وأما قوله تعالى ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا 125 طه وقال في الآية الأخرى فبصرك اليوم حديد 22 ق فقالوا فكيف يكون هذا من الكلام المحكم فيقول إنه أعمى ويقول فبصرك اليوم حديد فشكوا في القرآن      أما قوله ونحشره يوم القيامة أعمى عن حجته وقال رب لم حشرتني أعمى عن حجتي وقد كنت بصيرا بها مخاصما بها فذلك قوله فعميت عليهم الأنباء يومئذ 66 القصص يقول الحجج فهم لا يتساءلون 66 القصص وأما قوله فبصرك اليوم حديد وذلك أن الكافر إذا خرج من قبره شخص بصره ولا يطرف بصره حتى يعاين جميع ما كان يكذب به من أمر البعث قوله لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد يقول غطاء الآخرة فبصرك يحد النظر لا يطرف حتى يعاين جميع ما كان يكذب به من أمر البعث فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة      المسألة السابعة عشر وأما قوله لموسى إنني معكما أسمع وأرى 46 طه وقوله في موضع آخر إنا معكم مستمعون 15 الشعراء وقالوا كيف قال إنني معكما وقال في آية أخرى إنا معكم مستمعون 15 الشعراء فشكوا في القرآن من أجل ذلك     أما قوله إنا معكم فهذا في مجاز اللغة يقول الرجل للرجل إنا سنجزى عليك

رزقك إنا سنفعل بك كذا وأما قوله إنني معكما أسمع وأرى فهو جائز في اللغة يقول الرجل الواحد للرجل سأجرى عليك رزقك أو سأفعل بك خيرا   الرد على الجهمية         قال الإمام أحمد رحمه الله وكذلك الجهم وشيعته دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث فضلوا وأضلوا بكلامهم بشرا كثيرا      فكان مما بلغنا من أمر الجهم عدو الله أنه كان من أهل خراسان من أهل ترمذ وكان صاحب خصومات وكلام وكان أكثر كلامه في الله تعالى فلقي أناسا من المشركين يقال لهم السمنية فعرفوا الجهم فقالوا له نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له ألست تزعم أن لك إلها قال الجهم نعم فقالوا له فهل رأيت إلهك قال لا قالوا فهل سمعت كلامه قال لا قالوا فشممت له رائحة قال لا قالوا فوجدت له حسا قال لا قالوا فوجدت له مجسا قال لا قالوا فما يدريك أنه إله قال فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما ثم إنه استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عيسى هو روح الله من ذات الله فإذا أراد أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان خلقه فيأمر بما يشاء وينهى عما يشاء وهو روح غائبة عن الأبصار      فأستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة فقال للسمنى     ألست تزعم أن فيك روحا قال نعم فقال هل رأيت روحك قال

ا قال فسمعت كلامه قال لا قال فوجدت له حسا أو مجسا قال لا قال فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع ولا يشم له رائحة وهو غائب عن الأبصار ولا يكون في مكان دون مكان ووجد ثلاث آيات من المتشابه قوله ليس كمثله شيء 11 الشورى وهو الله في السموات والأرض 3 الأنعام لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار 103 الأنعام فبنى أصل كلامه على هذه الآيات وتأول القرآن تأويله وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله كان كافرا وكان من المشبهة فأضل بكلامه بشرا على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالصرة ووضع دين الجهمية فإذا سألهم الناس عن قول الله ليس كمثله شيء يقولون ليس كمثله شيء من الأشياء وهو تحت الأرضين السبع كما هو على العرش ولا يخلو منه مكان ولا يكون في مكان دون مكان ولم يتكلم ولا يتكلم ولا ينظر إليه أحد في الدنيا ولا في الآخرة ولا يوصف ولا يعرف بصفة ولا يفعل ولا له غاية ولا له منتهى ولا يدرك بعقل وهو وجه كله وهو علم كله وهو سمع كله وهو بصر كله وهو نور كله وهو قدرة كله ولا يكون فيه شيئان ولا يوصف بوصفين مختلفين وليس له أعلى ولا أسفل ولا نواحي ولا جوانب ولا يمين ولا شمال ولا هو خفيف ولا ثقيل ولا له لون ولا له جسم وليس هو بمعمول ولا معقول     وكلما خطر على قلبك أنه شيء تعرفه فهو على خلافه قال أحمد وقلنا هو شيء فقالوا هو شيء لا كالأشياء فقلنا إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل

العقل أنه لا شيء      فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يؤمنون بشيء ولكن يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون في العلانية     فإذا قيل لهم من تعبدون قالوا نعبد من يدبر أمر هذا الخلق فقلنا هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة قالوا نعم فقلنا قد عرف المسلمون أنكم لا تؤمنون بشيء وإنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرونه فقلنا لهم هذا الذي يدبر هو الذي كلم موسى قالوا لم يتكلم ولا يكلم لأن الكلام لا يكون

إلا بجارحة والجوارح عن الله منفية      فإذا سمع الجاهل قولهم يظن أنهم من أشد الناس تعظيما لله ولا يعلم أنهم إنما يعود قولهم إلى ضلالة وكفر ولا يشعر أنهم لا يقولون قولهم إلا فرية في الله   مسألة خلق القرآن         الفرق بين الخلق والجعل فمما يسأل عنه الجهمي يقال له تجد في كتاب الله أنه يخبر عن القرآن أنه مخلوق فلا يجد فيقال له فتجده في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن القرآن مخلوق فلا يجد فيقال له فمن أين قلت وحليتها من قول الله إنا جعلناه قرآنا عربيا 3 الزخرف وزعم أن جعل بمعنى خلق فكل مجعول هو مخلوق فادعى كلمة من الكلام المتشابه يحتج بها من أراد أن يلحد في تنزيله ويبتغي الفتنة في تأويلها وذلك أن جعل في القرآن من المخلوقين على وجهين على معنى التسمية وهي معنى فعل من أفعالهم وقوله الذي جعلوا القرآن عضين 91 الحجر قالوا هو شعر وأنباء الأولين وأضغاث أحلام فهذا على معنى التسمية      قال وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا 19 الزخرف يعنى أنهم سموهم إناثا      ثم ذكر جعل معنى التسمية فقال يجعلون أصابعهم في آذانهم 19 البقرة فهذا على معنى فعل من أفعالهم     وقال حتى إذا جعله نارا هذا على معنى فعل فهذا جعل المخلوقين ثم جعل من أمر الله على معنى خلق وجعل على خلق لا يكون إلا خلق ولا يقوم إلا مقام خلق خلقا لا يزول عنه المعنى وإذا قال الله جعل معنى خلق لا يكون خلق ولا يقوم مقام خلق ولا يزول عنه المعنى

فمما قال الله جعل على معنى خلق قوله الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور 1 الأنعام يعنى وخلق الظلمات والنور      وقال وجعل والأبصار 87 النحل يقول وخلق والأبصار وقال وجعلنا الليل والنهار آيتين 12 الإسراء ويقول وخلقنا الليل والنهار آيتين وقال وجعل الشمس سراجا 16 نوح وقال هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها 189 الأعراف يقول خلق منها زوجها يقول وخلق من آدم حواء وقال وجعل لها رواسي 61 النحل يقول وخلق لها رواسي ومثله في القرآن كثير      فهذا وما كان مثله لا يكون إلا على معنى خلق      ثم ذكر جعل معنى خلق قوله ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة 103 المائدة لا يعنى ما خلق الله من بحيرة ولا سائبة      وقال الله لإبراهيم إني جاعلك للناس إماما 24 البقرة لا يعنى إني خالق للناس إماما لأن خلق إبراهيم كان متقدما      وقال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا 35 إبراهيم      وقال إبراهيم رب اجعلني مقيم الصلاة 40 إبراهيم لا يعنى اخلقني مقيم الصلاة      وقال يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة 176 آل عمران      وقال لأم موسى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين 7 القصص لا يعنى وخالقوه من المرسلين لأن الله وعد أم موسى أن يرده إليها ثم يجعله من بعد ذلك رسولا     وقال ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم 37 الأنفال

وقال ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين 5 القصص      وقال فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا 143 الأعراف لا يعنى وخلقه دكا      ومثله في القرآن كثير فهذا وما كان على مثاله لا يكون على معنى خلق فإذا قال الله جعل على معنى خلق وقال جعل معنى خلق فبأي حجة قال الجهمي جعل على معنى خلق فإن رد الجهمي الجعل إلى المعنى الذي وصفه الله فيه وإلا كان من الذين يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون فلما قال الله إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون 3 الزخرف وقال لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وقال فإنما يسرناه بلسانك 97 مريم فلما جعل الله القرآن عربيا ويسره بلسان نبيه صلى الله عليه وسلم كان ذلك فعلا من أفعال الله تبارك وتعالى جعل القرآن به عربيا يعني هذا بيان لمن أراد الله هداه مبينا وليس كما زعموا معناه أنزلناه بلسان العرب وقيل بيناه      الرد على من ادعى أن القرآن هو الله أو غيره      ثم إن الجهم ادعى أمرا آخر وهو من المحال فقال      أخبرونا عن القرآن أهو الله الله فادعى في القرآن أمرا يوهم الناس فإذا سئل الجاهل عن القرآن هو الله الله فلا بد له من أن يقول بأحد القولين فإن قال هو الله قال له الجهمي كفرت وإن قال الله قال صدقت فلم لا الله مخلوقا فيقع في نفس الجاهل من ذلك ما يميل به إلى قول الجهمي     وهذه المسألة من الجهمي من المغاليط فالجواب للجهمي إذا سأل فقال أخبرونا عن القرآن هو الله الله قيل له وإن الله جل ثناؤه لم يقل في القرآن إن القرآن أنا ولم يقل غيري وقال هو كلامي فسميناه باسم سماه الله به فقلنا كلام الله فمن سمى القرآن باسم سماه الله به كان من المهتدين ومن سماه باسم غيره كان

من الضالين      وقد فصل الله بين قوله وبين خلقه ولم يسمه قولا فقال ألا له الخلق والأمر 54 الأعراف فلما قال ألا له الخلق لم يبق شيء مخلوق إلا كان داخلا في ذلك      ثم ذكر ما ليس بخلق فقال والأمر فأمره هو قوله تبارك الله رب العالمين أن يكون قوله خلقا      وقال إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم 3 الدخان ثم قال القرآن أمرا من عندنا 5 الدخان      وقال لله الأمر من قبل ومن بعد 4 الروم      يقول لله القول من قبل الخلق ومن بعد الخلق فالله أصحهما ويأمر خلقه      وقال ذلك أمر الله أنزله إليكم 5 الطلاق وقال حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور 40 هود      وذلك أن الله جل ثناه إذا سمى الشيء الواحد باسمين أو ثلاثة أسامى فهو منفصل وإذا سمى شيئين مختلفين لا يدعهما مرسلين حتى يفصل بينهما من ذلك قوله يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا 78 يوسف فهذا شيء واحد سماه بثلاثة أسامي وهو مرسل ولم يقل إن له أبا وشيخا وكبيرا     وقال عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات 5 التحريم ثم قال ثيبات وأبكارا 5 التحريم فلما كانت الثيب لم يدعه مرسلا حتى فصل بينهما فذلك قوله وأبكارا وقال وما يستوى الأعمى 12 فاطر ثم قال والبصير فلما كان الأعمى فصل بينهما

ثم قال ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور 21 فاطر فلما كان كل واحد من هذا الشيء الآخر فصل بينهما      ثم قال الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصور 24 الحشر فهذا كله شيء واحد فهو مرسل ليس بمفصل      فلذلك إذا قال الله ألا له الخلق والأمر لأن الأمر فهو منفصل      إثبات أن القرآن وحيا وليس بمخلوق      قوله والنجم إذا هوى 1 النجم قال وذلك أن قريشا قالوا إن القرآن شعر وقالوا أساطير الأولين وقالوا أضغاث أحلام وقالوا تقوله محمد من تلقاء نفسه وقالوا تعلمه من غيره فأقسم الله بالنجم إذا هوى يعني القرآن إذا نزل فقال والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم يعني محمدا وما غوى وما ينطق عن الهوى يقول إن محمدا لم يقل هذا القرآن من تلقاء نفسه فقال إن هو يقول ما هو يعنى القرآن إلا وحي يوحى فأبطل الله أن يكون القرآن الوحي لقوله إن هو يقول ما هو إلا وحي يوحى ثم قال علمه يعنى علم محمدا جبريل صلىالله عليه وسلم وهو شديد القوى ذو مرة فاستوى إلى قوله فأوحى إلى عبده ما أوحى فسمى الله القرآن وحيا ولم يسمه خلقا      الفرق بين قول الرحمن وما كان بقوله     ثم إن الجهم ادعى أمرا آخر فقال أخبرونا عن القرآن هو شيء فقلنا نعم هو شيء فقال إن الله خلق كل شيء فلم لا يكون القرآن مع الأشياء المخلوقة وقد أقررتم أنه شيء

فلعمري لقد ادعى أمرا أمكنه فيه الدوى ولبس على الناس بما ادعى فقلنا إن الله في القرآن لم يسم كلامه شيئا إنما سمى شيئا الذي كان يقوله ألم تسمع إلى قوله تبارك وتعالى إنما قولنا لشيء 40 النحل فالشيء ليس هو قوله إنما الشيء الذي كان بقوله وفي آية أخرى إنما أمره إذا أراد شيئا 82 يس فالشيء ليس هو أمره إنما الشيء الذي كان بأمره      ومن الأعلام الدلالات أنه لا يعنى كلامه مع الأشياء المخلوقة قال الله للريح التي أرسلها على عاد تدمر كل شيء بأمر ربها 5 الأحقاف وقد أتت تلك الريح على أشياء لم تدمرها منازلهم ومساكنهم والجبال التي بحضرتهم فأتت عليها تلك الريح ولم تدمرها وقال تدمر كل شيء      فكذلك إذا قال خالق كل شيء لا يعنى نفسه ولا علمه ولا كلامه مع الأشياء المخلوقة      وقال لملكة سبأ وأوتيت من كل شيء 23 النمل وقد كان ملك سليمان شيئا ولم تؤته وكذلك إذا قال خالق كل شيء لا يعنى كلامه مع الأشياء المخلوقة      وقال الله لموسى واصطنعتك لنفسي 41 طه يحذركم الله نفسه 28 آل عمران      وقال كتب ربكم على نفسه 54 الأنعام      وقال تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك 116 المائدة      ثم قال كل نفس ذائقة الموت 185 آل عمران      فقد عرف من عقل عن الله أنه لا يعنى نفسه مع الأنفس التي تذوق الموت وقد ذكر الله عز وجل كل نفس فكذلك إذا قال خالق كل شيء لا يعنى نفسه ولا علمه ولا كلامه مع الأشياء المخلوقة     ففي هذا دلالة وبيان لمن عقل عن الله فرحم الله من فكر ورجع عن القول الذي

يخالف الكتاب والسنة ولم يقل على الله إلا الحق فإن الله قد أخذ ميثاق خلقه فقال ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق 169 الأعراف      وقال في آية آخرى قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 33 الأعراف فقد حرم الله أن يقال عليه الكذب وقد قال ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة 60 الزمر فأعاذنا الله وإياكم من فتن المضلين      وقد ذكر الله كلامه موضع من القرآن فسماه كلاما ولم يسمه خلقا قوله فتلقى آدم من ربه كلمات 27 البقرة وقال وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله 75 البقرة وقال ولما جاء موسى لميقاتنا وكله ربه 143 الأعراف وقال إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي 144 الأعراف وقال وكلم الله موسى تكلميا 164 النساء وقال فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته 158 الأعراف      فأخبرنا الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمن بالله وبكلام الله      وقال يريدون أن يبدلوا كلام الله 15 الفتح وقال لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي 109 الكهف وقال وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله 6 التوبة ولم يقل حتى يسمع خلق الله      فهذا منصوص بلسان عربي مبين لا يحتاج إلى تفسير هو مبين بحمدالله     وقد سألت الجهمي أليس إنما قال الله قولوا آمنا بالله 136 البقرة و قولوا للناس حسنا 83 البقرة و قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم 46 العنكبوت و قولوا قولا سديدا 70 الأحزاب و فقولوا اشهدوا

بأنا مسلمون 64 آل عمران وقال وقل الحق من ربكم 29 الكهف وقال فقل سلام 54 الأنعام ولم نسمع الله يقول قولوا إن كلامي خلق وقال ولا تقولوا ثلاثة انتهوا 171 النساء      وقال ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا 94 النساء و لا تقولوا راعنا 104 البقرة ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات 154 البقرة لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله 23 الكهف فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما 23 الإسراء لا تدع مع الله إلها آخر 88 القصص ولا تقتلوا أولادكم من إملاق 151 الأنعام لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك 29 الإسراء ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق 151 الأنعام لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن 102 الأنعام لا تمش في الأرض مرحا 18 لقمان      ومثله في القرآن كثير فهذا ما نهى الله عنه ولم يقل لنا لا تقولوا إن القرآن كلامي وقد سمت الملائكة كلام الله كلاما ولم تسمه خلقا قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم 23 سبأ      وذلك أن الملائكة لم الوحي ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وبينهما كذا وكذا سنة      فلما أوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم سمع الوحي كوقع الحديد على الصفا فظنوا أنه أمر من الساعة ففزعوا وخروا لوجوههم سجدا فذلك قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم يقول حتى إذا انجلى الفزع عن قلوبهم رفع الملائكة رؤوسهم فسأل بعضهم بعضا فقالوا ماذا قال ربكم ولم يقولوا ماذا خلق ربكم فهذا بيان لمن أراد الله هداه     الرد على من احتج بقوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ثم إن الجهم ادعى أمرا آخر فقال

أنا أجد آية في كتاب الله تبارك وتعالى تدل على القرآن أنه مخلوق فقلنا في أي آية فقال ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث 2 الأنبياء فزعم أن الله قال للقرآن محدث وكل محدث مخلوق      فلعمري لقد شبه على الناس بهذا وهي آية من المتشابه فقلنا في ذلك قولا واستعنا بالله ونظرنا في كتاب الله ولا حول ولا قوة إلا بالله      أعلم أن الشيئين إذا اجتمعا في اسم يجمعهما فكان أحدهما أعلى من الآخر ثم جرى عليهما اسم مدح فكان أعلاهما أولى بالمدح وأغلب عليه وإن جرى عليه اسم ذم فأدناهما أولى به ومن ذلك قول الله تعالى في كتابه إن الله بالناس لرؤوف رحيم 65 الحج عينا يشرب بها عباد الله 6 الإنسان يعنى الأبرار دون الفجار فإذا اجتمعوا في اسم الإنسان واسم العباد فالمعنى في قول الله جل ثناؤه عينا يشرب بها عباد الله يعنى الأبرار دون الفجار لقوله إذا انفرد الأبرار إن الأبرار لفي نعيم 14 الإنفطار وإذا انفرد الفجار وإن الفجار لفي جحيم 14 الإنفطار وقوله إن الله بالناس لرؤوف رحيم فالمؤمن أولى به وإن اجتمعا في اسم الناس لأن المؤمن إذا انفرد أعطى المدحة لقوله إن الله بالناس لرؤوف رحيم 143 البقرة وكان بالمؤمنين رحيما 43 الأحزاب وإذا انفرد الكفار جرى عليهم الذم في قوله ألا لعنة الله على الظالمين 18 هود     وقال أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون 80 المائدة فؤلاء لا يدخلون في الرحمة وفي قوله ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض 27 الشورى فاجتمع الكافر والمؤمن في اسم العبد والكافر أولى بالبغي من المؤمنين لأن المؤمنين انفردوا ومدحوا فيما بسط لهم الرزق وهو قوله وإذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا 67 الفرقان وقوله ومما رزقناهم ينفقون 2 البقرة وقد بسط الرزق لسليمان

ابن داود ولذي القرنين وأبي بكر وعمر ومن كان على مثالهم ممن بسط له فلم يبغ      وإذا انفرد الكافر وقع عليه اسم البغي في قوله لقارون فبغى عليهم 76 القصص نمرود بن كنعان حين آتاه الله الملك فحاج في ربه وفرعون حين قال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا 88 يونس فلما اجتمعوا في الاسم الواحد فجرى عليهم اسم البغي كان الكفار أولى به كما أن المؤمن أولى بالمدح فلما قال الله تعالى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فجمع بين ذكرين ذكر الله وذكر نبيه فأما ذكر الله إذا انفرد لم يجر عليه اسم الحدث ألم نسمع إلى قوله ولذكر الله أكبر 45 العنكبوب هذا ذكر مبارك 50 الأنبياء وإذا انفرد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه جرى عليه اسم الحدث ألم تسمع إلى قوله والله خلقكم وما تعملون 96 الصافات فذكر النبي صلى الله عليه وسلم له عمل والله له خالق محدث والدلالة على أنه جمع بين ذكرين لقوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فأوقع عليه الحدث ثم إتيانه إيانا وأنت تعلم أنه لا يأتينا بالأنبياء إلا مبلغ ومذكر وقال الله وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين 55 الذاريات فذكر إن نفعت الذكرى 9 الأعلى إنما أنت مذكر 21 الغاشية      فلما اجتمعوا في اسم الذكر جرى عليهم جرى عليهم اسم الحدث وذكر النبي إذا انفرد وقع عليه اسم الخلق وكان أولى بالحدث من ذكر الله الذي إذا انفرد لم يقع عليه اسم خلق ولا حدث فوجدنا دلالة من قول الله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلى النبي صلى الله عليه وسلم لإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يعلم فعلمه الله فلما علمه الله كان ذلك محدثا إلى النبي صلى الله عليه وسلم      الرد على من احتج بما ذكر في عيسى عليه السلام     ثم إن الجهم ادعى أمرا آخر فقال إنا وجدنا آية في كتاب الله تدل على أن القرآن مخلوق فقلنا أي آية فقال قول الله إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله

وكلمته 171 النساء ونصف مخلوق فقلنا إن الله منعك الفهم في القرآن عيسى تجرى عليه ألفاظ لا تجرى على القرآن لأنه يسميه مولودا وطفلا وصبيا وغلاما يأكل ويشرب وهو مخاطب بالأمر والنهى يجرى عليه اسم الخطاب والوعد والوعيد ثم هو من ذرية نوح ومن ذرية إبراهيم ولا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى هل سمعتم الله يقول في القرآن ما قال في عيسى ولكن المعنى من قول الله جل ثناؤه إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له كن فكان عيسى بكن وليس عيسى هو الكن ولكن بالكن كان فالكن من الله قول وليس الكن مخلوقا      وكذب النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى وذلك أن الجهمية قالوا عيسى روح الله وكلمته لأن الكلمة مخلوقة وقالت النصارى عيسى روح الله من ذات الله وكلمته من ذات الله كأن يقال إن هذه الخرقة من هذا الثوب وقلنا نحن إن عيسى بالكلمة كان وليس عيسى هو الكلمة      وأما قول الله روح منه يقول من أمره كان الروح فيه كقوله وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه 13 الجاثية يقول من أمره وتفسير روح الله إنما معناها أنها روح بكلمة الله خلقها الله كما يقال عبد الله وسماء الله وأرض الله      الرد على من احتج بقوله خلق السماوات والأرض وما بينها     ثم إن الجهم ادعى أمرا آخر فقال إن الله يقول خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام 4 السجدة فزعم أن القرآن لا يخلو أن يكون في السموات أو في الأرض أو فيما بينهما فشبه على الناس وليس عليهم فقلنا له أليس إنما أوقع الله جل ثناؤه الخلق والمخلوق على ما في السموات والأرض وما بينهما فقالوا نعم فقلنا هل فوق السموات شيء مخلوق قالوا نعم فقلنا فإنه لم يجعل ما فوق السموات مع الأشياء المخلوقة وقد عرف أهل العلم أن فوق السموات السبع الكرسي والعرش واللوح

المحفوظ والحجب وأشياء كثيرة لم يسمها ولم يجعلها مع الأشياء المخلوقة وإنما وقع الخبر مع الله على السموات والأرض وما بينهما      قلنا فيما ادعوا أن القرآن لا يخلو أن يكون في السموات أو في الأرض أو فيما بينهما فقلنا الله تبارك وتعالى يقول ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق 8 الروم فالذي خلق به السموات والأرض قد كان قبل السموات والأرض والحق الذي خلق به السموات والأرض هو قوله لأن الله يقول الحق وقال فالحق والحق أقول 84 ص ويوم يقول كن فيكون قوله الحق بالحق الذي خلق به السموات والأرض قد كان قبل السموات والأرض والحق قوله وليس قوله مخلوقا      الرد على من أنكر رؤية المؤمنين لله جل شأنه يوم القيامة      قال أحمد رحمه الله فقلنا لهم لم أنكرتم أن أهل الجنة ينظرون إلى ربهم فقالوا لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى ربه لأن المنظور إليه معلوم موصوف لا يرى إلا شيء يفعله فقلنا أليس الله يقول وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة 23 القيامة فقالوا إن معنى إلى ربها ناظرة إنها تنظر الثواب من ربها وإنما ينظرون إلى فعله وقدرته وتلو آية من القرآن ألم تر إلى ربك كيف مد الظل 45 الفرقان فقالوا إنه حين قال ألم تر إلى ربك أنهم لم يروا ربهم ولكن المعنى ألم تر إلى فعل ربك فقلنا إن فعل الله لم يزل العباد يرونه وإنما قال وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فقالوا إنما تنظر الثواب من ربها فقلنا إنها مع ما تنتظر الثواب هي ترى ربها فقالوا إن الله لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة وتلو آية من المتشابه من قول الله جل ثناؤه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار     وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف معنى قول الله لا تدركه الأبصار وقال إنكم سترون ربكم وقال لموسى لن تراني 143 الأعراف ولم يقل لن أرى فأيهما أولى

أن نتبع النبي صلى الله عليه وسلم حين قال إنكم سترون ربكم أو قول الجهمي حين قال لا ترون ربكم والأحاديث في أيدي أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل ربهم لا يختلف فيها أهل العلم      ومن حديث سفيان عن أبي إسحق عن عامر بن سعد في قول الله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة 26 يونس قال النظر إلى وجه الله      ومن حديث ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال إذا استقر أهل الجنة في الجنة نادى مناد يا أهل الجنة إن الله قد أذن لكم في الزيادة قال فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله لا إله إلا هو      وإنا لنرجو أن يكون الجهم وشيعته ممن لا ينظرون إلى ربهم ويحجبون عن الله لأن الله قال للكفار كلا إنهم ثم ربهم يومئذ لمحجوبون 15 المطففين فإذا كان الكافر يحجب عن الله والمؤمن يحجب عن الله فما فضل المؤمن على الكافر     والحمد لله الذي لم يجعلنا مثل جهم وشيعته وجعلنا ممن اتبع ولم يجعلنا ممن ابتدع والحمد لله وحده   إثبات أن الله كلم موسى عليه السلام    فقلنا أنكرتم ذلك قالوا إن الله لم يتكلم ولا يتكلم إنما كون شيئا فعبر عن الله وخلق صوتا فأسمع وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف ولسان وشفتين فقلنا هل يجوز لمكون الله أن يقول يا موسى إني أنا ربك 12 طه أو يقول أنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكرى 14 طه فمن زعم

ذلك فقد زعم الله ادعى الربوبية كما زعم الجهم أن الله كون شيئا كان يقول ذلك المكون يا موسى إني أنا الله رب العالمين 30 القصص وقل قال جل ثناؤه وكلم الله موسى تكليما 164 النساء وقال ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه 143 الأعراف وقال إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي 144 الأعراف فهذا منصوص القرآن فأما ما قالوا إن الله لا يتكلم فكيف يصنعون بحديث الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم الطائي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ما بينه وبينه ترجمان وأما قولهم إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان أليس الله قال للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين 11 فصلت أتراها أنها قالت بجوف وفم وشفتين ولسان وأدوات وقال وسخرنا مع داود الجبال يسبحن 79 الأنبياء أتراها سبحت بجوف وفم ولسان وشفتين والجوارح إذ شهدت على الكافر فقالوا لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء أنراها أنها نطقت بجوف وفم ولسان ولكن الله أنطقها كيف شاء      وكذلك الله تكلم كيف شاء أن يقول بجوف ولا فم ولا شفتين ولا لسان      قال أحمد رضى الله عنه فلما خنقته الحجج قال     إن الله كلم موسى إلا أن كلامه غيره فقلنا وغيره مخلوق قال نعم فقلنا هذا مثل قولكم الأول إلا أنكم تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون وحديث الزهري

قال لما سمع موسى كلام ربه قال يا رب هذا الذي سمعته هو كلامك قال نعم يا موسى هو كلامي إنما كلمتك بقوة عشر آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها وأنا أقوى من ذلك وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمت قال فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له صف لنا كلام ربك قال سبحان الله وهل أستطيع أن أصفه لكم قالوا فشبهه قال هل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها فكأنه مثله      وقلنا للجهمية من القائل يوم القيامة يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون الله 116 المائدة أليس الله هو القائل قالوا فيكون الله شيئا فيعبر عن الله كما كون شيئا فعبر لموسى      قلنا فمن القائل فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم 7 الأعراف أليس الله هو الذي يسأل قالوا هذا كله إنما يكون شيئا فيعبر عن الله قلنا قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا ينعقد من مكان إلى مكان      فلما ظهرت عليه الحجة قال     إن الله يتكلم ولكن كلامه مخلوق قلنا وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق فقد شبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق ففي مذهبكم قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم وكذلك بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتى خلق الله لهم كلاما وقد جمعتم بين كفر وتشبيه وتعالى الله عن هذه الصفة بل جمعتم نقول إن الله لم يزل متكلما إذا شاء ولا نقول إنه كان ولا يتكلم حتى خلق الكلام ولا نقول إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علما فعلم ولا نقول إنه قد كان ولا قدرة له حتى خلق لنفسه القدرة

ولا نقول إنه قد كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نورا ولا نقول إنه قد كان لا عظمة له حتى خلق لنفسه عظمة      فقالت الجهمية لما وصفنا الله إن زعمتم أن الله ونوره والله وقدرته والله وعظمته فقد قلتم بقول النصارى حين زعموا أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته      قلنا لا نقول إن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره ولكن نقول لم يزل بقدرته ونوره لا متى قدر ولا كيف قدر      فقالوا لا تكونوا موحدين أبدا حتى تقولوا قد كان الله ولا شيء      فقلنا نحن نقول قد كان الله ولا شيء ولكن إذا قلنا إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلها واحدا بجميع صفاته وضربنا لهم في ذلك مثلا فقلنا أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذع وكرب وليف وسعف وخوص وحجار واسمها اسم شيء واحد وسميت نخلة بجميع صفاتها فكذلك الله وله المثل الأعلى بجميع صفاته إله واحد لا نقول إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا يقدر حتى خلق له قدرة والذي ليس له قدرة هو عاجز ولا نقول قد كان في وقت من الأوقات ولا يعلم حتى خلق له علما فعلم والذي لا يعلم هو جاهل ولكن نقول لم يزل الله عالما قادرا لا متى ولا كيف وقد سمى الله رجلا كافرا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال ذرني ومن خلقت وحيدا 11 المدثر وقد كان هذا الذي سماه الله وحيدا له عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة فقد سماه الله وحيدا بجميع صفاته فكذلك الله وله المثل الأعلى هو بجميع صفاته إله واحد      قوله تعالى الرحمن على العرش استوى وإثبات البينونة لله جل شأنه     فقلنا لهم أنكرتم أن يكون الله على العرش وقد قال تعالى الرحمن على العرش

استوى 5 طه وقال خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش 3 يونس فقالوا هو تحت الأرض السابعة كما هو على العرش وفي السموات وفي الأرض وفي كل مكان ولا يخلو منه مكان ولا يكون في مكان دون مكان وتلوا آية من القرآن وهو الله في السموات وفي الأرض 3 الأنعام فقلنا قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظم الرب شيء فقالوا أي مكان فقلنا أجسامكم وأجوافكم وأجواف الخنازير والحشوش والأماكن القذرة ليس فيها من عظم الرب شيء وقد أخبرنا أنه في السماء فقال أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض 16 الملك أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا 17 الملك وقال إليه يصعد الكلم الطيب 10 فاطر وقال إني متوفيك ورافعك إلي 55 آل عمران وقال بل رفعه الله إليه 158 النساء      وقال وله من في السموات والأرض ومن عنده 19 الأنبياء وقال يخافون ربهم من فوقهم 50 النحل وقال ذي المعارج 3 المعارج وقال وهو القاهر فوق عباده 18 الأنعام وقال وهو العلي العظيم 255 البقرة     فهذا خبر الله أخبرنا أنه في السماء ووجدنا كل شيء أسفل منه مذموما يقول الله جل

ثناؤه إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار 145 النساء وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين 29 فصلت      وقلنا لهم أليس تعلمون أن إبليس كان مكانه والشياطين مكانهم فلم يكن الله ليجتمع هو وإبليس في مكان واحد وإنما معنى قول الله جل ثناؤه وهو الله في السموات وفي الارض يقول هو إله من في السموات وإله من في الأرض وهو على العرش وقد أحاط علمه بما دون العرش ولا يخلو من علم الله مكان ولا يكون علم الله في مكان دون مكان فذلك قوله لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما 12 الطلاق      ومن الإعتبار في ذلك لو أن رجلا كان في يديه قدح من قوارير صاف وفيه شراب صاف كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح أن يكون ابن آدم القدح فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه أن يكون في شيء من خلقه      وخصلة أخرى لو أن رجلا بنى دارا بجميع مرافقها ثم أغلق بابها وخرج منها كان ابن آدم لا يخفى عليه كم بيت في داره وكم سعة كل بيت أن يكون صاحب الدار في جوف الدار فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه وعلم كيف هو وما هو أن يكون في شيء مما خلق      قالوا إن وفينا فقلنا الله جل ثناؤه يقول ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض 7 المجادلة ثم قال ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم يعنى الله بعلمه ولا خمسة إلا هو يعني الله بعلمه سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم يعني بعلمه فيهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم 7 المجادلة     يفتح الخير بعلمه ويختم الخير بعلمه ويقال للجهمي إن الله إذا بعظمة نفسه فقل

له هل يغفر الله لكم فيما بينه وبين خلقه فإن قال نعم فقد زعم أن الله بائن من خلقه دونه وإن قال لا كفر      إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أن الله في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان فقل أليس الله كان ولا شيء فيقول نعم فقل له حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا من نفسه فإنه يصير إلى ثلاثة أقوال لا بد له من واحد منها إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه كفر حين زعم أن الجن والإنس والشياطين في نفسه      وإن قال خلقهم خارجا من نفسه ثم دخل فيهم كان هذا كفرا أيضا حين زعم أنه دخل في مكان وحش قذر رديء      وإن قال خلقهم خارجا من نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله أجمع وهو قول أهل السنة      إذا أردت أن تعلم أن الجهمي لا يقر بعلم الله فقل له الله يقول ولا يحيطون بشيء من علمه 255 البقرة وقال لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه 166 النساء وقال فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله 4 هود قال وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه 47 فصلت فيقال له تقر بعلم الله هذا الذي وقفك عليه بالأعلام والدلالات أم لا      فإن قال ليس له علم كفر      وإن قال لله علم محدث كفر حين زعم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يعلم حتى أحدث له علما فعلم      فإن قال لله علم وليس مخلوقا ولا محدثا رجع عن قوله كله وقال بقول أهل السنة      وهذا على وجوه     قال الله جل ثناؤه لموسى إنني معكما 46 طه يقول في الدفع عنكما

وقال ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن 40 التوبة يقول في      وقال كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين 249 البقرة يقول في النصر لهم على عدوهم      وقال فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم 35 محمد في النصر لكم على عدوكم      وقال ولا يستخفون من الله وهو معهم 108 النساء يقول بعلمه فيهم      وقال فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين 61 الشعراء يقول في العون على فرعون      فلما ظهرت الحجة على الجهمي بما ادعى على الله أنه مع خلقه قال هو في كل مماس لشيء ولا مباين منه فقلنا إذا مباين أليس هو مماس قال لا قلنا فكيف يكون في كل مماس لشيء ولا مباين فلم يحسن الجواب فقال بلا كيف فيخدع جهال الناس بهذه الكلمة وموه عليهم فقلنا له أليس إذا كان يوم القيامة أليس إنما هو في الجنة والنار والعرش والهواء قال بلى فقلنا فأين يكون ربنا فقال يكون في كل شيء كما كان حين كان في الدنيا في كل شيء فقلنا فإن مذهبكم إن ما كان من الله على العرش فهو على العرش وما كان من الله في الجنة فهو في الجنة وما كان من الله في النار فهو في النار وما كان من الله في الهواء فهو في الهواء      فعند ذلك تبين كذبهم على الله جل ثناؤه      الرد على من ادعى أن الله في القرآن هو اسم مخلوق     وزعمت الجهمية أن الله جل ثناؤه في القرآن إنما هو اسم مخلوق فقلنا قبل أن أصحهما هذا الاسم ما كان اسمه قالوا لم يكن له إسم فقلنا وكذلك قبل أن أصحهما العلم كان جاهلا لا يعلم حتى أصحهما لنفسه علما وكان ولا نور له حتى أصحهما لنفسه نورا وكان ولا

قدرة له حتى أصحهما لنفسه قدرة فعلم الخبيث أن الله قد فضحه وأبدى عورته حين زعم أن الله جل ثناؤه في القرآن إنما هو اسم مخلوق      وقلنا للجهمية لو أن رجلا حلف بالله الذي لا إله إلا هو كاذبا كان لا يحنث لأنه حلف بشيء مخلوق ولم يحلف بالخالق ففضحه الله في هذه وقلنا له أليس النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء من بعدهم والحكام والقضاة إنما كانوا يحلفون الناس بالله الذي لا إله إلا هو فكانوا في مذهبهم مخطئين إنما كان ينبغي للنبي عليه السلام ولمن بعده في مذهبكم أن يحلفوا بالذي اسمه الله وإذا أرادوا أن يقولوا لا إله إلا الله يقولون لا إله إلا الذي خلق الله وإلا لم يصح توحيدهم ففضحه الله بما ادعى على الله الكذب ولكن نقول إن الله هو الله وليس الله باسم إنما الأسماء شيء سوى الله لأن الله إن لم يتكلم فبأي شيء خلق الخلق قالوا أموجود عن الله أنه خلق الخلق بقوله وبكلامه      وحين قال إنما قولنا لشيء إذا أردنا أن نقول له كن فيكون 40 النحل فقالوا إنما معنى قولنا لشيء إذا أردنا يكون قلنا فلم أخفيتم أن يقول له فقالوا إنما معنى كل شيء في القرآن معانيه وقال الله مثل قول العرب قال الحائط وقالت النخلة فسقطت فالجهمية لا يقولون بشيء فقلنا على هذا أفتيتم قالوا نعم فقلنا فبأي شيء خلق الخلق إن كان الله في مذهبكم لا يتكلم فقالوا بقدرته فقلنا هي شيء قالوا نعم فقلنا قدرته مع الأشياء المخلوقة قالوا نعم فقلنا كأنه خلق خلقا بخلق وعارضتم القرآن وخالفتموه حين قال الله جل ثناؤه خالق كل شيء فأخبرنا الله أنه أصحهما وقال هل من الله 3 فاطر فإنه ليس أحد أصحهما غيره وزعمتم أنه خلق الخلق غيره فتعالى الله عما قالت الجهمية علوا كبيرا     فقالوا جاء في الحديث أن القرآن يجيء في صورة الشاب الشاحب فيأتي صاحبة فيقول هل تعرفني فيقول له من أنت فيقول أنا القرآن الذي أطمأت نهارك وأسهرت ليلك قال فيأتي به الله فيقول يا رب فادعوا أن القرآن مخلوق من قبل هذه

فرحم الله من عقل عن الله ورجع عن القول الذي يخالف الكتاب والسنة وقال بقول العلماء وهو قول المهاجرين والأنصار وترك دين الجهم وشيعته      هذا آخره والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم   

 كتبه لنفسه محمد بن محمد بن علي بن أحمد المقدسي الحنبلي ثالث من شهر ذي الحجة الحرام سنة إحدى وعشرين وثمانمائة 

=============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب جواهر القرآن {أبو حامد محمد بن محمد الغزالي}

  جواهر القرآن أبو حامد محمد بن محمد الغزالي بسم الله الرحمن الرحيم الفصل الأول في أن القرآن هو البحر المحيط وينطوي على أصناف الجوا...